فصل: كتاب الطلاق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة ***


كتاب الطلاق

مسألة إذا قال للأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها وقع عليه الطلاق عند أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول عمر وابن مسعود وابن عمر والزهري وابن المسيب والنخعي والشعبي ومكحول وسالم بن عبد الله رضي الله عنهم وعند الشافعي رحمه الله لا يقع

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

إجماع الصحابة والتابعين والعمومات والقياس على ما لو قال لامرأته إن تزوجت فلانة فأنت طالق والجامع بينهما دفع الحاجة المناسبة إلى تحقيق المانع من نكاح تلك لجواز كونها سيئة الأخلاق بذيئة اللسان لا يمكنه الامتناع من تزويجها إلا بمثل التعليق فورد الشرع بصحة التعليق في الأصل فتقتضي الصحة في الفرع

حجة الشافعي رحمه الله

أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا عن هذه المسألة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا طلاق قبل النكاح

الجواب عنه أنا نقول بموجبه فإن الطلاق لا يقع عندنا قبل النكاح إنما يقع بعده

مسألة إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا بكلمة واحدة فهو بدعة وحرام عند أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول جمهور الصحابة مثل أبي بكر وعمر وابن مسعود

وابن عباس وابن عمر وعمران بن الحصين رضي الله عنهم وعند الشافعي رحمه الله ليس بحرام بل هو مشروع مباح

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ لإظهار عدتهن هكذا فسره ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما وقال تعالى الطلاق مرتان أي الطلاق الرجعي مرة بعد أخرى لا دفعة فيقتضي شرعيته متفرقا وقوله عليه الصلاة والسلام ان من السنة أن تستقبل العدة استقبالا فتطلقها في كل طهر بطلقة واحدة وهذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما في سياقه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه لما سمع أن ابنه طلق امرأته في الحيض مر ابنك أن يراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسك وإن شاء طلق فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء وفي رواية هكذا أمر ربك إن من السنة أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل طهر تطليقة

وروي أن رجلا طلق امرأته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال أتلعبون بكتاب الله وأنا بين أظهركم سماه لعبا بكتاب الله وهو حرام

وحكى محمد رحمه الله أن إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما هو عليه مذهبنا فكان عمر رضي الله عنه لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثا إلا علاه بالدرة

حجة الشافعي رحمه الله

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا جناح عليكم إن طلقتم النساء‏}‏ أطلق ولم يفصل فيقتضي الشرعية بأي طريق كان

الجواب عنه أن هذا النص ساكت عن ذكر العدد وما ذكرنا صريح فيكون أولى

مسألة الطلاق الواقع بالكنايات نحو أنت حرام أو بائن أو بتة طلاق بائن عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله الواقع بجميع الكنايات رجعي

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

أن العمل بموجب اللفظ واجب وقد صرح بالبينونة والحرمة فثبت موجبها وهو كون الطلاق بائنا وهو مروي عن عمر وعلي وعثمان رضي الله عنهم

حجة الشافعي رحمه الله

أن الصريح أقوى من الكناية لأن الصريح لا يحتاج إلى النية والكناية تحتاج إليها فإذا وقع الطلاق الرجعي بالصريح فبالكناية أولى لأنها كناية عن الصريح

الجواب عنه أن هذه الإطلاقات ليست بكناية عن الطلاق حقيقة بل هي حوامل لحقائقها لكن الإبهام فيما يحصل به الاستتار بالنسبة إلى المحل فلهذا الإبهام سميت كنايات مجازا فاحتاجت إلى النية فبعد النية كانت عاملة بموجبها بخلاف الصريح فان موجبه أن يكون معقبة للرجعية دون البينونة بالنص والاتباع فافترقا والكناية قد تكون أقوى من الصريح باتفاق أهل البيان

مسألة لو قال لأمته أنت طالق ونوى به العتق لم تعتق عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله تعتق إذا نوى

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

أنه نوى ما لا يحتمله لفظه لأن الإعتاق إثبات قوة في محل سلبت عنه

القوة والطلاق رفع قيد عن محل رجعت فيه القوة فلا مناسبة بينهما فلا يصح مجازا عنه

حجة الشافعي رحمه الله

أن الطلاق عبارة عن إزالة القيد والعبودية قيد فإذا ذكر لفظ الطلاق ونوى به إزالة قيد العبودية يصح لأنه نوى محتمل كلامه

الجواب عنه ما مر من الفرق وهو أن الطلاق رافع أي أن الطلاق إزالة قيد النكاح والإعتاق مثبت للقوة فلا مناسبة بينهما

مسألة إذا قال لإمرأته أنت طالق أو طلقتك ونوى الثلاث أو الاثنين لا يقع إلا واحدة عند أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول جمهور الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعمران بن الحصين رضي الله عنهم وعند الشافعي رحمه الله يقع ما نوى من الثلاث أو الاثنتين

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

أن قوله أنت طالق فنعت فرد حتى قيل للمثنى طالقان وللثلاث طوالق فلا يحتمل العدد لأنه ضده والشيء لا يحتمل ضده

حجة الشافعي رحمه الله

قوله صلى الله عليه وسلم لكل امرئ ما نوى فإذا نوى الثلاث ههنا ينبغي أن يقع الثلاث الجواب عنه أن النية بدون اللفظ لا تحتمل الثلاث فلا تقتضي وقوع الثلاث بالاتفاق حتى لو قال لها أنت طالق واحدة ونوى الثلاث لا يقع إلا واحدة فكذا فيما نحن فيه طالق لا يحتمل الثلاث فلا تصح النية فيه والمراد من الحديث

لكل امرئ ما نوى أي ثواب ما نوى ونحن نقول بموجبه ولا تعلق له بالمتنازع

مسألة إذا قال الرجل لامرأته أنا منك طالق ونوى الطلاق لا يقع به الطلاق عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يقع

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

أن الطلاق إزالة قيد النكاح فيعمل في محل قيام النكاح والرجل ليس منكوحا لامرأته فلا يكون محلا للطلاق ألا ترى أنها هي الممنوعة عن التزوج والخروج ولهذا سميت منكوحة

حجة الشافعي رحمه الله

لو قال لها أنا منك بائن ونوى الطلاق يقع بالإجماع مع أن هذا اللفظ كناية وهي ضعيفة من الصريح فإذا وقع الطلاق بالضعيف فبالقوي أولى

الجواب عنه أن مقتضى ذلك زوال وصلة النكاح وهي قائمة بينهما فصحت إضافته إلى كل واحد منهما وأما مقتضى الطلاق فهو رفع القيد عن النكاح فيصح إضافته إليها دونه

مسألة إذا قال لامرأته يدك طالق لا يقع الطلاق عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله يقع به

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

أنه أضاف الطلاق إلى غير محله فيلغوا كما لو قال شعرك طالق وهذا لأن محل الطلاق ما يكون محلا للنكاح لأنه عبارة عن رفع قيد النكاح ولا قيد في اليد والشعر ولهذا لا يصح إضافة النكاح إليه

حجة الشافعي رحمه الله

أنه لو قال لها طلقتك نصف طلقة أو نصف يوم تقع الطلقة الكاملة في العمر كله فعلم أن بناء أمر الطلاق على النفاذ وشرعه الوقوع فإذا كان كذلك ينبغي أن لو قال يدك طالق يقع الطلاق كاملا الجواب عنه أن الطلاق لا يتجزأ وذكر بعض مالا يتجزأ كذكر كله فإذا طلقها نصف تطليقة كانت طالقا تطليقة كاملة كذلك وكذا لا يتخصص الطلاق بوقت فإذا وقع في وقت كان واقعا في جميع الأوقات بخلاف قوله يدك طالق فان اليد غير محل لبعض الطلاق ولا لكله فلم يعتبر لكونه مضافا إلى غير محله فصار كما لو قال ريقك طالق

مسألة طلاق المكره واقع عند أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول عمر وعلي وابن عمر وابن جبير والشعبي والنخعي والزهري وابن المسيب وشريح وقتادة والثوري وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم وقال الشافعي رحمه الله غير واقع

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي قال حديث حسن غريب وهو معمول به عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم فدل على أن الرضى ليس بشرط في وقوع الطلاق

وروي عن علي بن الحسن وعبد الحق والعقيلي من حديث صفوان الأصم أن رجلا كان نائما مع امرأته فقامت فأخذت سكينا وجلست على

صدره فوضعت السكين على حلقه وقالت طلقني وإلا ذبحتك فناشدها الله فأبت فطلقها ثلاثا فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا قيلولة في الطلاق

وروى الطحاوي عن أبي سنان قال سمعت عمر بن عبد العزيز يقول طلاق السكران والمكره واقع ولأنه قصد إيقاع الطلاق في منكوحته حال أهليته فلا يعرى عن قضيته وهذا لأنه عرف الشرين فاختار أهونهما وهذا علامة القصد والاختيار لأنه غير راض بحكمه وذلك غير مانع من وقوع الطلاق كالهازل

حجة الشافعي رحمه الله

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا إكراه في الدين‏}‏ فلا يكون له أثر فلا يقع الطلاق حالة الإكراه

الجواب عنه معنى الآية أن الله تعالى ما أمر بالإيمان على الإجبار بل على الاختيار ولأن الإيمان لا يتم إلا بتصديق القلب وذلك لا يحصل بالإكراه والدليل على هذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قد تبين الرشد من الغي‏}‏ أي تمييز الإيمان من الكفر بالدلائل الواضحة فلا يحتاج إلى الإكراه فان الإيمان لا يحصل به فاذا كان هذا مرادا بالنص لا يكون للاية دلالة على طلاق المكره

مسألة إذا طلق الرجل امرأته في مرض موته ثلاثا أو واحدا بائنا فمات في العدة ورثته عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله لا ترثه

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روي أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه طلق امرأته في مرض موته فورثها عثمان رضي الله عنه وقال فر من كتاب الله وكان ذلك بمحضر من الصحابة بلا نكير ووافقه علي وأبي وابن مسعود رضي الله عنهم وأشار بقوله فر من كتاب الله إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولهن الربع‏}‏ وروي عن الشعبي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى وشريح أن ورثا امرأة الفار وكذا حكى الكرخي عن عائشة رضي الله عنها والحسن البصري والنخعي وشريح والشعبي وطاووس اليماني رضي الله عنهم ولأن الزوجية سبب إرثها في مرض موته وهو قصد إبطاله فيرد عليه قصده دفعا للضرر عنها

حجة الشافعي رحمه الله

أن هذه ليست بزوجة لبطلان الزوجية بالثلاث بدليل أنه لو ماتت المرأة لا يرث الزوج عنها بالإجماع فإن لم تكن هي زوجته يكون الربع والثمن يصيب غيرها من الزوجات لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولهن الربع مما تركتم‏}‏ الآية فلا يمكن إبطال حقهن بإعطاء النصيب من الميراث

الجواب عنه أن النكاح في العدة قائم في حق بعض الآثار كثبوت النسب والمنع من الخروج والبروز والنفقة والسكنى فجاز أن يبقى في حق إرثها عنه دفعا للضرر عنها بدون رضاها بخلاف إرثه عنها لأنه رضي بإبطال حقه حيث أقدم على البينونة

مسألة إذا طلق الرجل امرأته الحرة وانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر فطلقها وانقضت عدتها ثم عادت إلى الزوج الأول مطلقها ثنتين يملك الرجعة

عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله لا يملك الرجعة وهذه المسألة مبنية على أن الزواج الثاني يهدم ما دون الثلاث عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأبي يوسف رحمه الله وهو قول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم خلافا للشافعي ومحمد وزفر

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله عليه أفضل الصلاة والسلام لعن الله المحلل والمحلل له سماه محللا وهو مثبت للحل الجديد فيقتضي أن الزوج الثاني يهدم ما طلقها الأول لأنه إذا هدم الثلاث فما دونها أولى

حجة الشافعي رحمه الله

أن الزوج الأول لما طلق في النكاح الأول طلقة وفي الثاني طلقتين صار المجموع ثلاثا وبعد الثلاث لا يمكن الرجعة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره‏}‏ الجواب عنه أن المراد بالآية الكريمة إيقاع الثلاث قبل الزوج الثاني لأن الله تعالى بين حق الرجعة بعد المرتين بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ ثم طلقها فينصرف إلى إطلاقها في هذه الحالة وهذه الحالة قيام العدة وإنما تكون العدة قائمة قبل التزوج بزوج آخر

مسألة الطلاق معتبر بالنساء عند أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما وقال الشافعي رحمه الله يعتبر بالرجال وفائدة الخلاف تظهر في المسألتين

إحداهما لو كان الزوج حرا والمرأة أمة يملك ثلاث تطليقات عند الشافعي رحمه الله وعند أبي حنيفة رضي الله عنه تطليقتين

وثانيهما لو كان الزوج عبدا والمرأة حرة فعند أبي حنيفة رضي الله عنه يملك ثلاثا وعند الشافعي رحمه الله طلقتين حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ أي أطهار عدتهن قاله ابن عباس رضي الله عنهما فإذا كانت عدة الحرة ثلاثة أقراء فينبغي أن يكون طلاقها ثلاثا سواء كان زوجها حرا أو عبدا وإذا كانت عدة الأمة قرأين فينبغي أن يكون طلاقها ثنتين لقوله صلى الله عليه وسلم طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان من غير فصل بين حر وعبد وروى ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا كانت الأمة تحت الرجل فطلقها تطليقتين ثم استبرأها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره

حجة الشافعي رحمه الله

أن اعتبار حرية الرجل أولى من اعتبار حرية المرأة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللرجال عليهن درجة‏}‏ وهذا نص صريح في أن اعتبار جانبه أولى

الجواب عنه أن الآية ليست بصريحة في أن الطلاق معتبر في الرجال فيكون ما ذكرنا من الآية راجحا عليها لكونها صريحة باعتباره بالنساء أو نقول لما تعارضت الآيتان بقي التمسك بالحديث الذي ذكرنا

مسألة التنجيز يبطل التعليق عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله لا يبطله حتى لو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق ثلاثا فتزوجها غيره ودخل بها ثم رجعت إلى الأول ودخلت الدار لم يقع شيء عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله تقع الثلاث المعلقة

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

أن اللفظ وإن كان مطلقا لكن قرينة الحال دليل على أن المراد الحل القائم لأن الجزاء طلقات هذا الملك لأنها هي المانعة لأن الظاهر عدم ما يحدث واليمين تعقد للمنع أو الحمل وإذا كان الجزاء ما ذكرنا وقد فات بتنجيز الثلاث المبطل للمحلية فلا تبقى اليمين

حجة الشافعي رحمه الله

أن لفظ التعليق مطلق فيتناول الحل القائم في النكاح الأول والحادث بالنكاح الثاني وقد بقي احتمال النكاح الثاني فيبقى اليمين

الجواب عنه أن المطلق يجوز تقييده بما ذكرناه من الدليل مسألة الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يحرم

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

أن الزوجية قائمة ما دامت في العدة في كثير من أحكام الشرع كالطلاق والإيلاء والظهار واللعان واستحقاق الميراث والنفقة والسكنى والمنع من الخروج والبروز وحرمة أختها وأربع سواها ولهذا يملك مراجعتها بلا رضاها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وبعولتهن أحق بردهن‏}‏ سماه بعلا فتكون هي زوجته فيصح وطؤها لبقاء الزوجية في الأحكام المذكورة فكذا في حل الوطء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا على أزواجهم‏}‏ حجة الشافعي رحمه الله

أن الأصل في الأبضاع الحرمة بدليل أنه تعارض دليلان أحدهما موجب للحل والآخر للحرمة فرجحنا الدليل الموجب للحرمة فإذا كان الأصل في الإبضاع الحرمة لم يخالف هذا الأصل إلا عند قيام النكاح التام فإذا طلقها وقع الخلل في النكاح فيبقى على أصل الحرمة

الجواب عنه أن الخلل إنما يقع فيه بعد انقضاء العدة وأما ما دامت في العدة فلا خلل فيه لما ذكرنا من أحكام الزوجية وقد اعترف الإمام فخر الدين أن دليلنا أقوى

مسألة إذ ظاهر الذمي من امرأته لا يصح ظهاره عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يصح ظهاره

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يظاهرون منكم من نسائهم‏}‏ ولفظ منكم خطاب للمسلمين فتخص بهم وقوله عليه الصلاة والسلام لمسلمة بن صخر لما ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر استغفر الله ولا تعد حتى تكفر مد الحرمة إلى التكفير والذمي ليس أهل التكفير لأنها عبادة ولهذا تتأدى بالصوم

حجة الشافعي رحمه الله

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة‏}‏ وهذا النص مطلق فيتناول المسلم والذمي الجواب عنه أن الآية الأولى مقيدة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏منكم‏}‏ فيحمل المطلق عليها كما هو المذهب عند الخصم على أن في آخر الآية ما يدل على أن المراد بأول الآية المسلمون دون أهل الذمة وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏من لم يجد فصيام شهرين متتابعين‏}‏ فإن الصيام لا يتصور إلا من المسلمين

مسألة إذا أعتق العبد الكافر عن كفارة الظهار جاز عند أبي حنيفة رضي الله عنه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتحرير رقبة‏}‏ من غير قيد كون الرقبة مسلمة فيجري على إطلاقه

حجة الشافعي رحمه الله

أن الكافر نجس لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما المشركون نجس‏}‏ والنجس لا يجوز إخراجه في الطاعة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تيمموا الخبيث‏}‏ الجواب عنه أن القصد من الإعتاق تمكينه من الطاعة ثم كفره بسوء اختياره والكافر ليس بنجس حقيقة ولهذا أنزل النبي صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف في مسجده ولو كان نجسا لما أنزلهم في مسجده بل النجاسة في اعتقاده لا تنافي إعتاقه عن الكفارة والمراد بالخبيث الحرام

مسألة إذا أعتق المكاتب عن الكفارة جاز عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وفي الرقاب‏}‏ واتفقوا على أن المراد منه المكاتبون فإذا كان المكاتب رقيقا جاز عن الكفارة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتحرير رقبة‏}‏ وقوله صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فيكون الرق قائما فيه فيكون إعتاقا للقن فيجوز عن الكفارة

حجة الشافعي رحمه الله

أنه إذا أعتق المكاتب يكون العتق حاصلا بعقد الكتابة بدليل أن الأولاد والأكساب الحاصلة زمان الكتابة تكون ملكا للمكاتب ولو لم يكن العتق حاصلا بعقد الكتابة لما كان الأولاد والأكساب ملكا له فإذا حصل العتق بجهة الكتابة فلا يكون من جهة الكفارة

الجواب عنه أنه لم يحصل للمكاتب الحرية بجهة الكفارة لأن الكتابة فك الحجر فهي بمنزلة الإذن وإنما يعتق بأداء جميع البدل والمعلق بالشرط كالمعدوم قبل وجوده فصار كالمعلق عتقه بدخول الدار فلا تكون الكتابة مانعة عن الكفارة ولو كانت مانعة تنفسخ بمقتضى الإعتاق فيكون إعتاق قن المكاتب إلا أنه يسلم له الأكساب والأولاد لأن العتق في حق المحل بجهة الكتابة أو لأن الفسخ ضروري لا يظهر في حق الولد والكسب

مسألة إذا اشترى من عليه الكفارة أباه ناويا عن الكفارة صح ويقع عنها عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله لا يقع عنها

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله صلى الله عليه وسلم شراء القريب إعتاق وقوله صلى الله عليه وسلم لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه أي بنفس الشراء إذ لا يحتاج إلى إعتاق مستأنف فإذا كان الشراء تصح الكفارة إذا اشترى ناويا عنها

حجة الشافعي رحمه الله

أنه إذا اشترى أباه يعتق عليه سواء أعتقه أو لم يعتقه فلا يكون التحرير حاصلا باختياره وهو مأمور بتحرير اختياري ولم يوجد فلا يقع عن الكفارة

الجواب عنه أن الشراء لما كان إعتاقا والشراء وجد باختياره فتكون النية مقارنة له فيقع عن الكفارة

مسألة العدة تتم بثلاثة حيض عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله بثلاثة أطهار والخلاف مبني على تفسير الأقراء

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ والأقراء الحيض لقوله صلى الله عليه وسلم طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان وعدة الأمة من جنس عدة الحرة ولأن المقصود من العدة معرفة براءة الرحم والمعرفة لا تحصل إلا بالحيض ولهذا كان استبراء الأمة بالحيض

حجة الشاقعي رحمه الله أن المقتضي لجواز النكاح قائم في جميع الأوقات لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فانكحوا ما طاب لكم من النساء‏}‏ وقوله صلى الله عليه وسلم زوجوا بناتكم الأكفاء وترك العمل بهذا في زمان العدة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ ولفظ القرء يحتمل الطهر والحيض فكان محتملا وكان المعارض في الأطهار الثلاث معلوما لأجل أن مدة العدة بالأطهار أقل من مدة العدة بالحيض وفي الحيض غير معلوم لأنه أطول المدتين والمشكوك لا يعارض المعلوم فوجب القول بجواز نكاحها عند انقضاء الأطهار الثلاثة

الجواب عنه أن عدم جواز نكاح المعتدة كان ثابتا بيقين وانقضاء العدة وجواز نكاحها بمضي ثلاثة أطهار مشكوك فلا يعارض المعلوم ولأنه لو حمل الأقراء على الأطهار انتقض العدد المذكور في النص ولأنه حينئذ يصير قرئين وبعض الثالث وذلك لا يجوز والله أعلم‏.‏

كتاب الحدود

مسألة الزنا الموجب للحد لا يظهر إلا بالإقرار أربع مرات في أربعة مجالس عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يظهر بالإقرار مرة واحدة

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

حديث ماعز أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر إقامة الحد عليه إلى أن تم الإقرار منه أربع مرات في أربعة مجالس فلو ظهر دونها لما أخرها ولأن ظهور الزنا بالشهادة فارق ظهور غيره حتى اشترط أربعة شهداء بالنص وبالإجماع فكذا الإقرار يشترط فيه أن يكون أربعة مرات لظهوره به إعظاما لأمر الزنا وتحقيقا لمعنى الستر ودرء الحد بقدر الإمكان

حجة الشافعي رحمه الله

قوله صلى الله عليه وسلم أغد يا أنيس إلى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها قالها حين اتهم رجل امرأته بالزنا فقد علق النبي صلى الله عليه وسلم الرجم بمطلق الاعتراف من غير اشتراط الأربع الجواب عنه أنه إن كان هذا الحديث متقدما على حديث ماعز كان منسوخا به وإن كان متأخرا انصرف إلى الاعتراف المعهود في هذا الباب وهو الإقرار أربع مرات ولأنه كان معهودا فيما بينهم بدليل قول أبي بكر رضي الله عنه لماعز اتق الله في الرابعة فإنها موجبة قال أبو بردة رضي الله عنه كنا نقول لو لم يقل الرابعة لما رجمه ولأن ذلك الحديث ساكت عن اشتراط الأربع وحديث ماعز صريح فيه فيكون أولى

مسألة المولى لا يملك إقامة الحد على مملوكه إلا بإذن الإمام عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يملك ذلك في الجلد

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

إجماع الصحابة كابن عباس وابن مسعود وابن الزبير رضي الله عنهم مرفوعا عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال أربع إلى الإمام الفيء والجمعة والحدود والصدقات ولأن الحد خالص حق الله ولأن المقصد منه إخلاء العالم عن الفساد ولأجل هذا لا يسقط بإسقاط العباد فيستوفيه من هو نائب الشرع وهو الإمام أو من أمره الإمام به

حجة الشافعي رحمه الله

قوله صلى الله عليه وسلم أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم وهذا

صريح وقوله صلى الله عليه وسلم إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها فإن عادت فليبعها ولو بضفير

الجواب عنه أمر المولى بإقامة الحدود مقتضاه الوجوب وهو منفي بالإجماع فكان متروك الظاهر فيحمل علي ما إذا أذن له الإمام بذلك أو يحمل على الاقامة تسبيبا بالمرافعة إلى من له ولاية الإقامة أو على التعزيز بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فان عادت فليبعها ولو بضفير والبيع ليس بحد بالإجماع

مسألة المرأة العاقلة إذا مكنت المجنون وطاوعته فزنا بها فلا حد عليه ولا عليها عند أبي جنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله الحد عليها

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه أن فعل الزنى إنما يتحقق حقيقة من الرجل لأنه هو الأصل ولهذا سمي واطئا والمرأة إنما هي محل لفعله ولهذا سميت موطوءة والزنا فعل من هو يؤجر على تركه ويأثم على فعله والمجنون ليس بمخاطب فلا يوصف فعله بالزنا فلا يتعلق الحد عليه فاذا امتنع في حقه امتنع في حق المرأة لأنها تبع له

حجة الشافعي رحمه الله

أن الزنا من المرأة ليس إلا التمكين ولا يتفاوت التمكين من العاقل موجبا ليحد فكذا التمكين من المجنون

الجواب عنه أن الزنا لا يتحقق بين الرجل والمرأة لكن الأصل فيه الرجل لما ذكرنا فإذا امتنع في حقه الحد لكونه غير مخاطب امتنع في حقها تبعا

مسألة إذا استأجر امرأة ليطأها فوطئها لا حد عليه عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله الحد

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

أنه وطء فيه شبهة ملك لأنها قابلة بالنكاح وقد انضاف التمليك إليها بالاستئجار فيورث شبهة ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المال مهر البغي والحدود تدرأ بالشبه لقوله صلى الله عليه وسلم ادرأوا الحدود بالشبهات وقد روي أن امرأة استسقت راعيا فأبى أن يسقيها حتى تمكنه من نفسها ففعلت فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فدرأ عنها الحد وقال ذلك مهرها أفتى بالحكم ونبه على العلة

حجة الشافعي رحمه الله

أن هذا الوطء زنا محض قبل عقد الإجارة لا شبهة فيه فينبغي أن لا يتفاوت هذا الوطء قبل الإجارة وبعده والزنا المحض موجب للحد

الجواب عنه أن الشبهة قد طرأت بعد عقد الإجارة لما ذكرنا فيورث الشبهة بعده لا قبله‏.‏

كتاب السرقة

مسألة إذا سرق رجل مقدار نصاب السرقة وقطعت يده وهلك المسروق لا يضمن السارق عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يضمن

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا‏}‏ جعل القطع جميع الجزاء فلو ضمن صار الجميع بعضا وقوله عليه الصلاة والسلام لا غرم على السارق بعد ما قطعت يمينه

حجة الشافعي رحمه الله

أن الإجماع انعقد على قطع يده فيلزمه الضمان أيضا لأنه أخذ مال غيره

بغير إذنه بغير حق فيجب عليه رده إذا كان باقيا ورد قيمته إذا كان هالكا لقوله صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى ترده

الجواب عنه أن التمسك بالكتاب أقوى والحديث الذي رويناه صريح في الباب فلا يعارضه ما ليس بصريح

مسألة لا قطع على النباش عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله عليه القطع

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله صلى الله عليه وسلم لا قطع على المختفي وهو النباش بلغة أهل المدينة وروي أن عليا رضي الله عنه أتى بنباش فعزره ولم يقطع يده ووافقه ابن عباس رضي الله عنهما

حجة الشافعي رحمه الله

قوله صلى الله عليه وسلم من نبش قطعناه وهذا نص صريح في الباب

الجواب عنه أن هذا الحديث غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل هو موقوف على معاوية بن مرة لم يرفعه أحد وقيل هو من كلام زياد بن أبيه ذكره في خطبته ولئن سلمت صحته فهو محمول على السياسة بدليل أن فيه من غرق غرقناه ومن حرق حرقناه ومن نبش دفناه حيا ومن نقب نقبنا عن كبده ومعلوم أن هذه الأحكام غير مشروعة إلا سياسة ثم إنه متروك الظاهر لأنه علق فيه بالقطع بمجرد النبش وبالإجماع ليس كذلك فإن نبش ولم يأخذ لا يقطع والله أعلم‏.‏

مسألة رجل سرق شيئا وحكم القاضي عليه بالقطع ثم إن المالك وهب

المسروق من السارق قبل القطع وسلمه إليه سقط القطع عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله لا يسقط

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

أن القضاء يحتاج إلى الإمضاء والإمضاء في باب الحدود من القضاء وكان ما حدث قبل الإمضاء كالحادث قبل القضاء ولو ملكها السارق قبل القضاء لا يقطع لأن الإنسان لا يقطع بملكه فكذا إذا ملك قبل الإمضاء حجة الشافعي رحمه الله

ما روي أن صفوان كان نائما في المسجد متوسدا رداءه فجاءه سارق فسرقه فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يده فأخرج ليقطع فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صفوان كأنه شق عليك يا رسول الله هو له صدقة وفي رواية وهبته منه فقال صلى الله عليه وسلم أفلا كان قبل أن تأتيني به وأمر بقطعه

الجواب عنه أن الهبة لا تثبت قبل القبول والقبض ثم أنه حكاية حال فلا عموم له

مسألة السارق في المرة الأولى تقطع يده اليمنى وفي الثانية رجله اليسرى وفي الثالثة لا يقطع منه شيء بل يعزر ويخلد في الحبس حتى يتوب ويظهر عليه سيما الصالحين عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله تقطع في الثالثة يده اليسرى وفي الرابعة رجله اليمنى

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

ما روي أن عليا رضي الله عنه استشار الصحابة رضي الله عنهم في هذه الحادثة فقال بعضهم تقطع يده اليسرى فقال بم يستنجي وقال بعضهم رجله اليمنى

فقال لهم فبم يمشي ثم قال إني لأستحي من الله أن لا أدع له يدا يأكل بها ويستنجي بها ولا رجلا يمشي عليها وبهذا حاج بقية الصحابة فغلبهم فدرأ عنه الحد فحل محل الإجماع ولأن المستحق عليه التأديب وفيما ذكره إهلاك معنى بتفويت منفعة البطش والمشي عليه

حجة الشافعي رحمه الله

أن المرة الثالثة موجبة للقطع لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما‏}‏ وقد أمكن قطع اليسرى فيجب القطع ولقوله صلى الله عليه وسلم من سرق فاقطعوه فإن عاد فاقطعوه وإن عاد فاقطعوه

الجواب عنه أن الأمر في الآية لا يقتضي التكرار وعرف القطع في المرة الثانية بفعل النبي صلى الله عليه وسلم والحديث طعن فيه الطحاوي وغيره من نقلة الحديث وعلى تقدير الصحة يحمل على السياسة بدليل آخر الحديث فإن عاد فاقتلوه فإن القتل غير مشروع في السرقة فيحمل على أنه كان ذلك في الابتداء حين كان القتل مشروعا مسألة إذا صال الجمل أو البقر الهائج على إنسان فقتله المصول عليه دفعا عن نفسه لزمه الضمان عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله لا يلزمه شيء

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

أن هذه الدابة معصومة لحق المالك لا لاحترامها لذاتها فإنها خلقت محلا للتناول والابتذال فبقيت عصمتها ما دام حق مالكها باقيا وحقه لا يسقط بجناية الدابة بل يثبت له إباحة إتلافها لإبقاء مهجته عند صولتها عليه بالقيمة كتناول طعام غيره حالة المخمصة رعاية للحقين

حجة الشافعي رحمه الله

أن دفع ضرر هذا الجمل أو البقر لازم عليه فيكون مأمورا بقتله وإلا يستحق العقاب بإلقاء نفسه إلى التهلكة وإذا لزم عليه فعله لا يجب عليه ضمانه

الجواب عنه أن ما ذكرتم منقوض بتناول مال غيره حال المخمصة فإنه إذا اضطر ولم يجد ما يدفع جوعه إلا هذا الجمل أو البقر فإنه مأمور بقتله وأكله لئلا يستحق العقاب بإلقاء نفسه إلى التهلكة ومع هذا يلزم عليه الضمان بالإجماع رعاية لحق المالك فإن قيل مالك الجمل لو أراد قتل إنسان لدفع القتل عن نفسه لا يجب عليه شيء فكذا إذا صال جمله لا يجب عليه الضمان بقتله لأن الجمل ليس بأعز من مالكه فإذا لم يضمن بقتل مالكه فبقتل ملكه أولى قلنا المالك إذا قصد قتله فقد أبيح قتله ووجد منه إبطال العصمة فلا يضمن وأما فعل البهيمة فلا يبطل عصمة مالكه فافترقا‏.‏

كتاب الجهاد

مسألة إذا أسلم الحربي في دار الحرب وأقام بها ولم يهاجر إلى دار الإسلام فقتله مسلم أو ذمي لا يجب عليه القصاص ولا الدية عند أبي حنيفة رضي الله عنه ويجب عليه الكفارة في الخطأ وقال الشافعي رحمه الله يجب عليه القصاص في العمد والكفارة في الخطأ

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة‏}‏ فالله تعالى أوجب الكفارة بقتله ولم يبين القصاص والدية ولو كانا واجبين لبينهما وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال من أقام بين المشركين فلا دية له ولأن

العصمة المقومة إنما تثبت بدار الإسلام وهو قد أهدر عصمته بالمقام في دار الحرب فلا يجب بقتله القصاص والدية

حجة الشافعي رحمه الله

أنه قد قتل المسلم عمدا وعدوانا فيكون موجبا للقصاص لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كتب عليكم القصاص‏}‏ الجواب عنه أن الآية مخصوصة بالإجماع ولهذا لو قتل الأب ابنه لا يقتص منه فيخص المتنازع فيه بما ذكرنا من الدليل

مسألة إذا استولى الكفار على أموال المسلمين وأحرزوها بدار الحرب ملكوها عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله لم يملكوها

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم‏}‏ سماهم فقراء مع إضافة الأموال إليهم والفقير من لا مال له لا من بعدت يده عن المال ومن ضرورته ثبوت الملك لمن استولى على أموالهم من الكفار وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الفتح يا رسول الله ألا ننزل دارك فقال وهل ترك لنا عقيل من منزل وكان للنبي صلى الله عليه وسلم دار بمكة ورثها من خديجة رضي الله عنها فاستولى عليها عقيل وكان مشركا وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا أصاب بعيرا له في الغنيمة فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالثمن وروى تميم عن طرفة أنه عليه الصلاة والسلام قال في بعير أخذه المشركون فاشتراه رجل من المسلمين ثم جاء المالك الأول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم إن شئت أخذته بالثمن فلو بقي في ملك المالك القديم لكان له الأخذ بغير شيء

حجة الشافعي رحمه الله

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا‏}‏ فينبغي أن لا يصير مال المسلم للكافر بالغلبة والاستيلاء عليه

الحجة الثانية أن المسلم خير من الكافر والمسلم إذا استولى على مال مسلم آخر لا يصير ملكا له فالكافر أولى

الجواب عنه أما الآية فمقتضاها نفي السبيل على نفس المسلم ونحن نقول بموجبه فإنه إذا استولى على نفسه يملكه ونحن نملكهم ولكن الأصل في الأموال عدم العصمة وإنما صار معصوما بالاحراز بدار الإسلام فإذا أحرزوها بدار الحرب زالت العصمة بزوال سببها فبقيت أموالا مباحة فتملك بالاستيلاء عليه وفيه وقع الغرق بين استيلاء المسلم والكافر وأن المسلم لم يحرزها إلى دار الحرب والحربي أحرزها فافترقا

مسألة الغزاة إذا غنموا غنيمة لا يقسمونها في دار الحرب بل يخرجونها إلى دار الإسلام فيقسمونها فيها عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله يجوز قسمتها في دار الحرب حجة أبي حنيفة رضي الله عنه ما روى مكحول الشامي أنه عليه الصلاة والسلام ما قسم الغنيمة قط إلا في دار الإسلام وفي رواية أخرى أخر النبي صلى الله عليه وسلم القسمة إلى دار الإسلام مع طلب بعض الغانمين الغنيمة فلو جازت لما أخر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب والقسمة بيع معنى فيدخل تحت النهي لأن الاستيلاء التام لا يثبت إلا بالاحراز بدار الإسلام لقدرتهم على التخليص مما دامت في دار الحرب لم يستحكم الملك

حجة الشافعي رحمه الله

ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنيمة في دار الحرب

الجواب عنه أن تلك المواضع التي قسم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الغنيمة وإن كانت دار الحرب لكنها صارت دار الإسلام بظهور أحكامه فيها

مسألة العبد المحجور عليه الممنوع من القتال لا يصح أمانة عند أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وقال الشافعي رحمه الله يصح أمانة

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء‏}‏ فانتفت قدرته على الأمان

حجة الشافعي رحمه الله

قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم والعبد من أدنى المسلمين فيصح أمانه

الجواب عنه أن المراد بالذمة الأمان المؤبد بأن يصير ذميا وهو صحيح من العبد فنحن نقول بموجبه وهذا لأن عقد الذمة خلف عن الإسلام فهو يمنزلة الدعوى إليه فيصح منه بخلاف الأمان المؤقت والحديث لا يدل عليه

مسألة كان الخمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقسم على خمسة أسهم سهم لله ورسوله وكان يشتري به السلاح وسهم لذوي قربى النبي صلى الله عليه وسلم وسهم للمساكين وسهم لليتامى وسهم لأبناء السبيل وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سقط سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى

فيأخذون بالفقر دون القرابة عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله سهم النبي صلى الله عليه وسلم يدفع إلى الإمام وسهم ذوي القربى باق لهم

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه إجماع الصحابة على عهد الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فإنهم قسموا خمس الغنيمة على ثلاثة أسهم ولم يعطوا ذوي القربى شيئا لقربهم بل لفقرهم مع أنهم شاهدوا قسمة النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا تأويل الآية وكان ذلك بمحضر من الصحابة من غير نكير فحل محل الإجماع فلو كان سهمهم باقيا لما منعوهم وهذا لأن المراد بالقربى قربى النصرة دون القرابة بدليل ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قسم غنائم خيبر فأعطى بني هاشم وبني المطلب ولم يعط بني عبد شمس ولا بني نوفل شيئا فقال عثمان وهو من بني عبد شمس وجبير بن مطعم وهو من بني نوفل يا رسول الله إنا لا ننكر فضل بني هاشم لمكانك الذي وضعك الله فيهم ولكن نحن وبنو المطلب منك في القرابة سواء فما بالك أعطيتهم وحرمتنا فقال عليه الصلاة والسلام إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام لم يزالوا معي وشبك بين أصابعه فجعل عليه الصلاة والسلام علة الاستحقاق النصرة والصحبة دون نفس القرابة وإلا لما أعطى البعض ومنع الآخرين ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم لم تبق بعد وفاته فلا يبقى الاستحقاق ويدخل فقراء ذوي القربى والأصناف الثلاثة وقد روت أم هانئ هذا المعنى مرفوعا فقال عليه الصلاة والسلام سهم ذوي القربى لهم في حياتي وليس لهم بعد وفاتي وكذا سهم النبي صلى الله عليه وسلم سقط بعد وفاته إذ غيره ليس في معناه من كل وجه

حجة الشافعي رحمه الله

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى‏}‏ وهذا نص صريح في المسألة

الجواب عنه أن المراد بالقربى قربى النصرة لا قربى القرابة بما ذكرنا من الدليل وقد زالت النصرة بعد وفاته

مسألة إذا أسلم الذمي أو مات بعد وجوب الجزية بمرور الحول سقطت عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله لا تسقط

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله عليه الصلاة والسلام لا جزية على مسلم وقوله صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله وروي أن ذميا طولب بالجزية في زمن عمر رضي الله عنه فأسلم فقيل إنك أسلمت تعوذا فقال إن أسلمت تعوذا فإن الإسلام يتعوذ به فأخبر عمر بذلك فقال صدق وأسقط عنه الجزية ولأن الجزية وجبت عقوبة على الكفر وهي تسقط بالإسلام

حجة الشافعي رحمه الله

أن الجزية وجبت على العصمة والأمن فيما مضى لأن ماله كان في معرض التلف فحصلت له الصيانة بقبول الجزية وقد وصل إليه العوض فلا تسقط عنه للعوض بالإسلام والموت

الجواب عنه أن هذا قياس في مقابلة النص والآثار فلا يقبل‏.‏

كتاب الصيد

مسألة إذا ترك الذابح التسمية عمدا فالذبيحة ميتة لا يحل أكلها عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يحل

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

الكتاب وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه‏}‏ والسنة هي قوله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى فكل وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل فإنك سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك علل الحرمة بترك التسمية عمدا وإنما الخلاف بينهم في الترك ناسيا

حجة الشافعي رحمه الله

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به‏}‏ دل النص على أن المحرم من المطعومات هذه الأربعة ومتروك التسمية ليس منها فيحل

الجواب عنه أن متروك التسمية من قبيل الميتة كذبيحة المجوس وأيضا قد زيد على هذه الأربعة أشياء كثيرة كأكل لحم الحمر والبغال والكلب والأسد وغيرها من ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير بالدلائل الدالة عليه فكذا يزاد عليها متروك التسمية عامدا ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أوحي إليه في ذلك الوقت إلا تحريم الأربعة المذكورة ثم أوحي إليه تحريم غيرها بعده

مسألة إذا أرسل الصياد كلبه المعلم إلى الصيد وذكر اسم الله تعالى عليه فمات بأخذه ولم يأكل منه الكلب شيئا يؤكل بالاتفاق وإن أكل منه شيئا لا يؤكل عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يؤكل

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما علمتم من الجوارح مكلبين‏}‏ فالنص نطق باشتراط التعليم وكذا حديث عدي إذا أرسلت كلبك المعلم وتعليم الكلب لا يتحقق إلا بترك الأكل من الصيد فإذا أكل منه دل على أنه غير معلم فلا يجوز أكل ما بقي منه وقد صرح في هذا الحديث بهذا المعنى حيث قال عليه الصلاة والسلام إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وإن أكل منه فلا تأكل لأنه أمسك على نفسه وإليه الإشارة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكلوا مما أمسكن عليكم‏}‏ فإذا أكل منه شيئا لم يمسك لصاحبه بل لنفسه فلا يحل

حجة الشافعي رحمه الله

قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ثعلبة الخشني إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل فقال يا رسول الله أو يحل ولو أكل منه فقال صلى الله عليه وسلم يحل هذا نص صريح في المسألة

الجواب عنه هذا الحديث ليس بمشهور فلا يعارض الكتاب والحديث الذي رويناه

مسألة أكل لحم الخيل مكروه عند أبي حنيفة رضي الله عنه واختلف المشايخ في أنه كراهية تحريم أو تنزيه وعند الشافعي رحمه الله غير مكروه وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة‏}‏ ثم قسم الامتنان في قسمين في نوعين أحدهما الأنعام وبين وجه المنة فيها بثلاثة أنواع اللبن والأكل والحمل وثانيهما الخيل والبغال والحمير وبين وجه المنة فيها في الركوب والزينة من جعل القسمين واحدا فقد أخل بالتركيب الفصيح وهذا لأن الأكل من أعلى المنافع والحكيم لا يترك الإمتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها ولأنه آلة إرهاب الكفار ونصرة الإسلام فيكره أكله احتراما له ولهذا يصرف له بسهم في الغنيمة أو سهمين ولأن في إباحة أكله تقليل الة الجهاد فلا يباح

حجة الشافعي رحمه الله من وجوه‏:‏

الأول قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به‏}‏ ولحم الخيل ليس من هذه الأربعة فيحل

جوابه ما مر وهو أنه في وقت نزول هذه الآية لم تكن المحرمات غيرها

الثاني أن لحم الفرس من الطيبات فيحل بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أحل لكم الطيبات‏}‏ الجواب عنه أن المراد بالطيبات ما يكون حلالا لا كل ما تستطيب النفس فلا يمكن الاستدلال به على أكل لحم الخيل ولو سلم ذلك فهو عام وقد خص عنه بعض ما تستطيبه النفس كالخمر فيجوز تخصيص الشارع فيه بما ذكرنا من الدلائل

الثالث أن الخيل بعد الذبح من الطيبات فيحل لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا ما ذكيتم‏}‏ الجواب عنه ما مر

الرابع أنه روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن فرسا ذبح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم

الجواب عنه أن هذا خبر واحد مخالف لما ذكرنا من الآية

الخامس ما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحم الحمر وأذن في لحوم الخيل

الجواب عنه أن هذا الحديث معارض ما روى خالد بن الوليد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحم الخيل والبغال فإذا تعارضا فالترجيح للمحرم مسألة من نحر ناقة أو ذبح بقرة فوجد في بطنها جنينا ميتا لم يؤكل عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يؤكل وهو قول محمد وأبي يوسف رحمهما الله

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم الميتة والدم‏}‏ والجنين ميتة فلا يحل أكله وقوله والمنخنقة وهو الحيوان الذي يموت بانقطاع النفس والجنين كذلك وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه‏}‏ والجنين لم يذكر اسم الله عليه وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا ما ذكيتم‏}‏ والجنين لم يذك

حجة الشافعي رحمه الله

ما روي أن جماعة من الصحابة قالوا يا رسول الله إنا ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين أفنلقيه أم نأكله فقال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه

الجواب عنه أن هذا خبر واحد ورد على مخالفة ما ذكرنا من الآيات والتمسك بالقرآن أولى

مسألة الأضحية واجبة على الأغنياء المقيمين عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله ليس هي واجبة بل هي سنة مؤكدة

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فصل لربك وانحر‏}‏ قيل المراد بالصلاة العيد وبالنحر الأضحية فقد أمر بهما وهو للوجوب وقوله صلى الله عليه وسلم ضحوا فإنها سنة أبيكم أمر ومقتضاه الوجوب وتسميته سنة في شريعة إبراهيم عليه السلام أما في شريعتنا فواجبة لقوله صلى الله عليه وسلم على أهل كل بيت كل عام أضحية وكلمة على الإيجاب وقوله صلى الله عليه وسلم من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا ومثل هذا الوعيد لا يكون إلا بترك الواجب

حجة الشافعي رحمه الله

قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث كتبن علي ولم تكتب عليكم الضحى والأضحى والوتر فدل على عدم الوجوب

الجواب عنه أن التمسك بالكتاب والسنن المستفيضة أولى على أن المراد بقوله لم تكتب عليكم نفي الفريضة أي لم تفرض عليكم ولا يلزم من نفي الفريضة نفي الوجوب للفرق بينهما‏.‏